كتاب (الإشكالية الثقافية ما بعد الكولونيالية ) تأليف الأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

صدر للأستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي  كتاب بعنوان (الإشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية )، عن دار أفكار للنشر والتوزيع في سوريا ، ودار الفنون والآداب في العراق 2016.

نبذة مختصرة عن الكتاب

في ظل الصراع التاريخيَ ما بين الشرق والغرب للسيطرة على مركز الحضارة العالمية وإخضاعها لأحد الطرفين ، وفي ظل تبادل أدوار التفوق والسيطرة في هذا الصراع في حقب زمنية مختلفة ، كان الشرقيون ندّاً ثقافياً قوياً ، لذلك شعر القائمون على المؤسسة الغربية بضرورة حشد كل طاقاتهم الفكرية والثقافية والعلمية  لتأسيس رؤية جديدة للتغلب على الآخر الشرقي.

إذ عمل العقل الغربي على تأسيس حملات استكشافية (علمية وثقافية واقتصادية وتبشيرية وغيرها) أراد من خلالها دراسة مواطن القوة والضعف عند الشعوب الأخرى وبخاصة الشرقية ، أطلق عليها الحملات الكولونيالية غرضها السيطرة والتمدد على حساب الآخر الذي يشكل خطراً على المنظومة الثقافية الغربية صاحبة الاعتقاد بتفوقها المعرفي والفكري والحضاري على العالم. وهذه النظرة الغربية بالتفوق لم تأتِ بالصدفة بل استندت إلى آراء فلاسفة ومفكري الغرب الذين صنفوا الشعوب والحضارات إلى أعراق وأجناس وألوان وإلى أول وثانٍ وثالث ، وإلى مركز وهامش ومتحضر وبدائي…الخ ، مما دعا الغرب إلى إعادة صياغة  كل ما هو خارج الحضارة الغربية من جديد في كافة المجالات ولاسيما الثقافية، على وفق منظومة معرفية أسس لها العقل الغربي ، ووضعها في قمة السلم الإنساني كنموذج يحتذى به. إذ بدأت هذه النظرة تطبق عملياً من خلال السيطرة العسكرية وإخضاع شعوب العالم التي تقع خارج حدود المركز الغربي وانسياقها إلى هيمنة صارمة بمختلف أشكالها ومنها الثقافية ،التي فرضت على الشعوب بديلاً عن ثقافات محلية.

وبذلك يكون الغربي الأبيض قد خلق ثقافة جديدة لتلك الشعوب المختلفة عنه تستند إلى مفهوم التبعية للمستعِمر المنتصر، الذي عمل على توثيق أواصر ثقافته في داخل البنى الاجتماعية وتثبيتها من خلال نخب ثقافية أنتجها في داخل المجتمعات المستعَمرة وجعلها الواجهة الجديدة الممثلة لثقافاته في خارج المراكز الغربية، وعلى هذا النحو ” تشكلت حياة ما يزيد على ثلاثة أرباع شعوب العالم اليوم ، من خلال الخبرة الكولونيالية. وقد يكون من اليسير إدراك مدى أهمية هذه المسألة في المجالات السياسية والاقتصادية ، لكن تأثيرها العام على أطر إدراك الشعوب المعاصرة عادةً ما يكون أقل وضوحاً”([1])  مما جعل المرجع الثقافي لهذه الشعوب يقع في إشكالية الأصل المغيب والبديل المفروض الذي وظفها في صورة الخطاب الثقافي الكولونيالي الغربي وسلطته صاحبة الإمكانيات الضخمة التي وظفت لهذا الخطاب ، الذي تم تثبيت نعوت دونية فيه لثقافات الشعوب المستعَمرة وعاداتها وتقاليده وسوقها في المخيال الغربي الشعبي ليبرر استعمار تلك الشعوب.

في المقابل شعرت الشعوب المستعَمرة خطورة الهيمنة الكولونيالية ومحاولاتها تدمير ثقافات الشعوب وعاداتهم وطقوسهم واستغلال ثرواتهم بحجة الحضارة ، إذ بدأت سلسلة طويلة من النضال والمقاومة في مختلف المجالات ومنها المجال الثقافي ، لتشكيل خطاب ثقافي نقيض ضد الخطاب الاستعماري ، تكرر صداه في داخل الغرب نفسه من خلال النخب الزائرة من أبناء الشعوب التي وقعت تحت الاستعمار ، من الذين هاجروا إلى الغرب، إذ أطلق على هذا الخطاب النقيض (خطاب ما بعد الكولونيالية) مستنطقاً النتاجات الثقافية للخطاب الاستعماري ، والباحثة عن مدى حجم التأثير الذي خلفه المستعِمر في الثقافات الأخرى.

 نشطت دراسات(*) ما بعد الكولونيالية في المجال الثقافي عموماً وفي المجال الأدبي خصوصاً مثل (الرواية والقصة والشعر) ، وكذلك عد خطاب (ما بعد الكولونيالية) على مستوى التنظير النقدي جزءاً من النقد الثقافي الذي توسع في هذه الدراسات في مجالات فكرية عديدة على المستوى العالمي في السياسية والاقتصاد والاجتماع وغيرها من المجالات ، لكن هذه الدراسات بقيت محدودة في الفنون المسرحية ولاسيما على مستوى العروض المسرحية ، على الرغم من أن للمسرح دوراً مهماً في مجابهة الخطاب الثقافي الكولونيالي ، والسعي لتفكيك أطروحته من خلال تقديم عدد من العروض المسرحية في بلدان وقعت تحت الاستعمار ، أو حتى في داخل الدول المستعِمرة. فضلاً عن محدودية هذه الدراسات(**)، فهي لم تناقش ظاهرة التأثير الثقافي للمستعِمر في الوطن العربي، بل ركزت على مناطق أخرى في العالم قدمت فيها مسرحيات صنفت تحت دراما ما بعد الكولونيالية ، وهي ” مسرحيات من استــراليا ، وكندا والهند وايرلندا ونيوزلندا ودول مختلفة من أفريقيا ، وأجزاء من جنوب شرق أسيا ، وجزر الكاريبي”([2]) ، وعلى الرغم من أن الوطن العربي تعرض للاستعمار قديماً وحديثاً ، ومرت على أرضه العديد من الدول الاستعمارية ومنها (بريطانيا وفرنسا وايطاليا والكيان الصهيوني الذي لا يزال يحتل دولة فلسطين ، وحديثاً الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق) ، إذ عملت الدول الاستعمارية على محاولة تغيير الكثير من ملامح الثقافة الأصلانية والتأثير على البنى الفكرية في المجتمعات العربية ولاسيما في العراق.

ويجد الكاتب من الضروري بحث خطاب ما بعد الكولـونيالي في عروض المسرح العراقي ، لدراسة مدى تأثير الاستعمار وخطابه الكولونيالي الممتد في الساحة الثقافية منذ زمن طويل وما يزال مستمراً إلى الآن في محاولاته لخلق تحولات على المشهد الثقـافي العربي وخصوصاً بعد عودته إلى الأرض العربية من خلال الاحتلال المباشر للعراق ، وسعيه لتكوين صورة جديدة للعرب تحت مسمى (شرق أوسط جديد وكبير) ، وما خلقه من إرباكات في الهوية الثقافية ، وكيفية مواجهة هذا الـخطاب ، والتعامل معه لأجل كشفه ، وتفكيكه من خلال خطاب ثقافي يدخل فيه المسرح كأداة من أدوات المواجهة الثقافية والفكرية لتكوين خطابات مسرحية تكون ” البؤرة الطبيعية التي تتركز فيها الذاكرة الحية (…) تحفظ لنا في الحاضر في صورة مجسدة عمليات التطور الثقافي التي مررنا بها والتي تنتمي تماماً إلى الماضي ولا يمكن استعادتها إلا من خلال المسرح “([3]).

ومن هنا كان لابد للكاتب أن يطرح تساؤلات عن هذه الإشكالية ويطرح أيضا تساؤلات مقابلة لها للوقوف على مدى تأثير الخطاب الكولونيالي في الساحة الثقافية العراقية ، وما هو حجم النجاح في مواجهته ، وكشفه وتفكيكه ، أو الإخفاق في ذلك.

والتساؤلات هي: هل استطاع المخرج العراقي من تقديم عروض مسرحية تحمل سمات خطاب ما بعد الكولونيالي غايته فك شفرة الخطاب الكولونيالي وفضح رموزه  ، التي  تشكل خطراً على الهوية الثقافية الأصيلة للمواطن العراقي؟. وهل ارتقى المخرج بمستواه الفكري والفني لتقديم عروض مسرحية تضاهي المستويات العالمية فنياً وجمــالياً لمواجهة ما يقـدم في مجال أطروحة الغزو الثــقافي ،التي هي جزء من الخطاب الكولونيالي في الوقت الحاضر؟ وهل أصبح المسرح العراقي أداة نافعة لتوعية الجماهير من مخاطر تشويه الهوية الثقافية الأصلانية؟ وهل ان الخطاب ما بعد الكولونيالية في المسرح العراقي كان هدفه تفكيك وفضح الخطاب الأمبريالي فقط ، أم انه قدم معالجات تسهم في بناء ملامح المقاومة الثقافية للخطاب الكولونيالي؟ وما هي ملامح الهوية المسرحية لمرحلة خطاب ما بعد الكولونيالية في العراق؟. 

وفي مقابل ذلك هل أن الخطاب الكولونيالي خطاب مؤثر في الواقع الثقافي العراقي لدرجة أصبح هو الخطاب المسيطر في مجمل الساحة الثقافية الأصلانية؟، وهل ساعد المسرح العراقي في الترويج للخطاب الكولونيالي من خلال عروض مسرحية حملت في تكوينها ملامح التشويه للثقافة الأصلانية؟.


([1]) اشكروفت ، بيل ، جاريث جريفيث ، هيلين تيفين ، الرد بالكتابة ، النظرية والتطبيق في آداب المستعمرات القديمة ، ترجمة : د. شهرت العالم ، بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2006، ص15.

*. سيتناولها الكاتب في  الفصول اللاحقة

**. دراسة لـ(جيلبرت ، هيلين و جوان توميكينز: الدراما ما بعد الكولونيالية ،النظرية والممارسة)

([2]) جيلبرت ، هيلين و جوان توميكينز : الدراما ما بعد الكولونيالية ، النظرية والممارسة ،  ترجمة : سامح فكري ، القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ، 2000،ص10.

([3]) هلتون ، جوليان : نظرية العرض المسرحي ، ترجمة: د نهاد صليحة ، الشارقة : مركز الشارقة للأبداع الفكري ، ب، ت، ص27.

0 Shares

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *